بنفسج

كيف تُبنى نواة العقيدة؟ [7] مفاتيح للإجابة

الإثنين 29 مايو

لكل مرحلة عمرية يمر بها الطفل، صفات وإدراكات وتشابكات عصبية خاصة بها، مثلًا، في ما يتعلق في الذاكرة، التركيز، استراتيجيات حل المشاكل، التفكير المنطقي، الخيال، تطور الحواس، التعلم التكيفي، التقليد، التفكير التجريدي، التفكير النقدي، اللغة، معالجة المعلومات، التطور في الإدراك والعواطف والرغبات، أو الحديث مع النفس والتأمل. ورغم اختلاف العلماء حول وجود عُمُر ومرحلة زمنية محددة لهذه الفروقات – بسبب تفرد كل طفل في تطوره – لكنهم متفقون على وجود معالم لكل مرحلة يسير فيها معظم الأطفال، وتوضح شكل تطورهم المعرفي متزامنًا مع تطورهم العقلي والجسدي.

لذلك، ونحن نتكلم تحت المرحلة العمرية من عمر الثانية الى السابعة بالتحديد، وبناء على ما سبق، فمن باب أولى أن أبني قاعدة عقدية صحيحة مع الطفل، تراعي مرحلته العمرية أو ما يُسمى بال age group. ورغم أني كمربٍ لا يتوجب عليّ أن أعرف خصائص كل مرحلة علميًا، لكن، يجب أن أجعل في حسباني عقل وعمر طفلي عندما أحدّثه عن الله والكون، وأمر البشر في هذه الحياة من حساب وعمل وجنة ووعيد!

| قاعدة  صحيحة: كيف تُبنى نواة العقيدة؟ 

داخلي.jpg

| ليعرف الله أولًا: عندما يخرج ابني من تمركزه حول ذاته وأجده مستعدًا للحديث عن الله جلّ علاه كخالق وإله – وذلك تقريبًا بعد عمر الخامسة  فإني أعرفه على الله بمخلوقاته؛ الكون والطبيعة والإنسان والفضاء والنبات والحيوانات، وما كان من عمل معجز لا يفعله إلا الله، فمن جميل برّنا بأبنائنا أن نحرص كل الحرص على أن نؤسس في نفوسهم في البداية علاقة مع الله ملؤها الحب، وأن العبادات مثل الصلاة والصيام تعني بأننا شاكرين ممتنين للإله العظيم والخالق المحب ، واهب النعم ، صوّرنا وأحسن صورنا و سخر لنا الأرض وأنزل علينا الرحمات، وكل ما ينضوي تحت ذلك من معاني يستطيع أن يراها أمام عينيه في مشهد مراقبة للشجر والطير والحيوان، أو يغرسها الوالدان من خلال نشاط فني مستغلين أشهر الطاعات مثل رمضان وذي الحجة.

| التجزئية والتدرج: وفي هذا السياق فإن الدين متين، وطبقا لما ذكرته من وجود خصائص عقلية لكل سنّ،  فإننا لا نستطيع أن نقدّم الدين لأولادنا كطرد جاهز ومغلف يستطيع أن يرى كل ما فيه! فأنا لا أذكر له وجود النار أبدًا في هذا العمر، بل عند الضرورة، أذكر له أن الله عادل ويعاقب الظالم ظلمًا واضحًا.لا أذكر له الشيطان، ذلك الكائن الذي لا أراه كطفل ويهمس لي بالشر خفية، أو حتى ذكر المَلكان اللذان على أكتافنا ويكتبان كلامنا في كتاب، لكي لا يشعر أن هناك شيء مادي حقيقي على جسمه، ويضطرب، أو يشعر بإنه غير مسيطر على أفعاله! أنا لا أستطيع أن أقدّم له صفة المراقبة الدائمة عن الإله، فيشعر أنه مراقب وتحت النظر، فيتوجس خيفة، بل أعطيه صفة العلم الدائم، أي إن الله يعلم ما نفعل في أي حال لأنه الله، كيف؟ هكذا هو الإله.

| الدين ليس معادلات حسابية : هناك شعرة دقيقة بين المصطلحات يستطيع أن يفهمها الطفل وقد تختلط عند الكبار، فالبعض وهو غير منتبه يقدم الدين والخالق كنظام رقابي صارم بحسابه وعقابه، إن أخطأتَ سلوكيًا يعني أنك عصيت ومعرض للعقاب، وإن أحسنت فأنت نلت الرضا الإلهي، هذا يعني أن الخطأ ممنوع، وهذا لا يتناسب مع كون الطفل يخطئ ويكذب كثيرًا.

| الجائزة بديل: حتى الحسنات والسيئات لا أستخدمها كما يسمى في علم الطفولة بالــ (reward system) نظام الجائزة، أي أن حسناتك مثل الملصقات التي تُعلّق على جدول الانضباط في البيت أو المدرسة، ستأخذ حسنة إذا وضبت غرفتك، وساعدت أختك، وقبلت يد جدك، وستنقص إن لم تفعل، بل وقد نضع لك نقطة حمراء، أي ستأخذ سيئة، وهكذا، فلا ينبت في نفس الطفل فعل الخير من نفسه، بل لأجل هذه الجائزة فقط أو خوفًا من كثرة السيئات، حينها عندما يكبر في ذاك الوضع لن يتردد بأن يلقي كل ذلك في الأرض لأجل مسوغات تربوية خاطئة.

هذه ليست دعوة للقص والترقيع من تعاليم ديننا، بل هي دعوة للإحسان عند غرس عقيدتنا في نفوس أطفالنا، والبحث عما يناسب عمرهم وعقولهم في كل مرحلة، حتى يجد كلامنا مسلكًا في دواخلهم ويدركوا أمر هذا الدين برفق ويصبروا حقًا عند البحث عن إجابات أثناء سعيهم في دنياهم.

لقوانين البيت قواعد مختلفة: قوانينا المنزلية والتربوية مع أطفالنا في هذا العمر شيء وعلاقته بالله وما يحبه جل في علاه ويكرهه شيئا آخر، أن نخلط الأمور ببعضها هي طريقة سريعة لاستجابة أبنائنا لأوامرنا، لكنه قد يجد الطفل نفسه في لحظة ما أنه قد تمرد على الخالق عندما يتمرد على قوانين البيت.

| الله محب لعباده: وجب أن نحرص كل الحرص أن نؤسس علاقة ملؤها حب الله لنا، عن طريق الكون المنظور أمامنا، عن طريق أنه واهب للنعم ومبدع في الخلق. أن أؤسس علاقة الصلاة مثلًا، أو الصيام والعبادات، بأننا شاكرين ممتنين للإله العظيم والخالق المحب.

| شعائر ضمن روتين منتظم: أي راصدٍ ومطلع لعالم الطفل يعرف أن الأطفال لا يستطيعون العيش بدون روتين منتظم يشعرهم بالأمان النفسي، ودورنا هنا أن نغمس شعائر ومظاهر هذا الدين في روتينهم اليومي والأسبوعي والشهري. ففي كل جمعة هناك حلقة عائلية لسورة الكهف، وعند اللعب ندندن سويًا بالصلاة على رسول الله، نذهب إلى المسجد، نصلي الفجر كنشاط جماعي دائم في البيت، نجلس كل أسبوعين حلقة عصف ذهني بسؤال: ماذا أنعم الله علي من نعم أو موهبة! نذهب في نزهة على الطريق ونتفكر في آية، ندخلهم في دروس حفظ أجزاء القرآن وإن ملوا، هذا الروتين سينغرس فيهم، ويساعدهم لأنهم في النهاية أنفس بشرية تميل لطاعة هواها ودرء ما يكلّفها أفعالًا دائمة ملزمة!

ولا أنكر أن بداية الرحلة للتعرف على الله والدين عند الطفل تفتح بابًا كبيرًا من الأسئلة، وكل حادثة تمر مع الطفل سيسأل فيها عن الله وأمره في حياتنا، موازين الخير والشر في العالم، الموت والفقد والمرض، قدرة الله الخارقة ، ولربما قد يجد مقدم الرعاية من والدين أو غيرهما قد يجدوا أنفسهم في مواقف حرجة تحتاج منهما أن يبحثا طويلًا ويقرؤوا ويتثبتوا ويصلوا ويتواصلوا مع القرآن لكي يقفوا على أرض صلبة ويتناقشوا مع أبنائهم.

هذه ليست دعوة للقص والترقيع من تعاليم ديننا، بل هي دعوة للإحسان عند غرس عقيدتنا في نفوس أطفالنا، والبحث عما يناسب عمرهم وعقولهم في كل مرحلة، حتى يجد كلامنا مسلكًا في دواخلهم ويدركوا أمر هذا الدين برفق ويصبروا حقًا عند البحث عن إجابات أثناء سعيهم في دنياهم.